تصميم الأزياء بالذكاء الاصطناعي

الذكاء الأصطناعي واستخدامه في عالم الأزياء

بقلم: جهاد الجمل.

منذُ أن بدأت رحلة الذكاء الاصطناعي في حياتنا وقد تجدد إيماننا بالمعجزات.. ويبدو أن الأعجب لم يأتي بعد. ففي تجربة فريدة من نوعها على المستوى المحليّ والعربيّ، وفي محاولة لإحياء الهوية المصرية القديمة وتجسيدها في رؤية تربط بين النوستالجيا والحداثة، أعلنت شركة “توت إيرا” اتجاهها إلى تطويع أدوات الذكاء الاصطناعي لتنفيذ الرؤية الفنيّة لمصممي الشركة لإنتاج مجموعة من الأزياء والاكسسوارات المستوحاة من أزياء الحضارة الفرعونية. شركة “توت إيرا” هي شركة أزياء مصرية ناشئة تتبنى تقديم قطعة أزياء تحمل روح الحضارة الفرعونية حاليًا، وهي في الأساس شركة متخصصة في التصميم المعماري واتجهت حديثًا للتوسع في قطاع تصميم الأزياء. “توت إيرا” في المصرية القديمة تعني “عصر توت” أي عصر الملك المصري الفرعوني الأشهر “توت عنخ آمون”، في إشارة لرؤية الشركة التي تقوم على تجديد دم العصر الفرعوني القديم في عروق أحفاد العصر الحديث.

وكذلك أكدت السيّدتان سمية بهيّ الدين، نائب رئيس مجلس الإدارة ونيرمين أبو الوفا مديرة الإنتاج على مدى تأثير الطفرة التكنولوجية التي أحدثها الذكاء الاصطناعي في عملية تصميم الأزياء، فهذه التطبيقات تعمل كآلة تنفيذية تُترجم تفاصيل الرؤية الفنية للمصممين مثل الفكرة الأوليّة والألوان والأطوال إلى مُنتج حقيقي يُجسد تصورات الورشة الفنية في وقت قياسي وبأقل جهد ممكن، مما يفسح الطريق للتركيز على تطوير المهارة الإبداعية وتوسيع آفاق الأفكار الأولية للتصميمات التي تقدمها الشركة للجمهور المصري بدلًا من إعطاء الأولوية للآليات التنفيذية. فكل التفاصيل الروتينية مثل تحديد درجات الألوان وتصحيح أخطاء التنفيذ وإضفاء اللمسات الأخيرة وغيرها أصبحت على عاتق تطبيقات الذكاء الاصطناعي الذي يقوم بمعالجة كل النواقص والتعديلات ومكملات التصميم باحترافية ودقة شديدة.

وعلى سبيل ذكر تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتخصصة في تصميم الأزياء، فلم يقتصر الأمر على صنع تطبيقات خاصة بالشركات الاحترافية، بل صُممت التطبيقات المتاحة للإستخدام الشخصي للراغبين في تجسيد تصوراتهم الإبداعية في منتج حقيقي يحمل التفاصيل التي أدخلوها على التطبيق. على سبيل المثال، تطبيق Dall-E Mini المتاح مجانًا على الهواتف الذكية يوفرّ للمستخدمين هذه الإمكانية، بمجرد تنزيل التطبيق وإدراج الرؤية التفصيلية للتصميم الذي ترغب في رسم تصور له مثل درجة اللون والطول والطرز المطلوب يستمد التطبيق تفاصيل التصور الفنيّ من قواعد البيانات المُدرجة به والتي تحتوي العديد من مجموعات الأزياء ليصلّ في النهاية إلى تصورّ نهائي يُحاكي رؤية المستخدم ويقدم له التصميم الذي يريد.

وبقدر ما تُعد هذه التطبيقات بمثابة أداة سحرية لتحويل رؤى العديد من المصممين المُبدعين إلى قطع فنيّة حقيقة تُرضي آمال العملاء وتضفي إلى مظهرهم في المواسم المختلفة طابعًا فريدًا وشخصية مميزة مُفعمة بالثقة، إلا أنّه بلا شك سيكتُب نهاية من يفتقر إلى الموهبة أو يعجز عن تطوير قدراته والعمل على مجاراة قطار التطور الذي يمضي بخطوات سريعة إلى المستقبل. فسقف المنافسة يزداد تعقيدًا وشراسة يومًا عن يوم وربما لم يأتي الأفضل بعد. فيبدو أنّ مستقبل التصميم وفقًا للمعطيات الحالية الحالية لا زال يحمل في طيّاته العديد من التصورات المُبهرة التي لا نملك المعرفة الكافية لتوقعها.

وتأكيدًا على ذلك، في أحد حواراتها الصحفية أكدت المصممة الإماراتية المتألقة “مريم الشيباني” على أنّ باب الابتكار المستقبلي في مجال تصميم الأزياء قد فُتح على مصراعيه دون أية حدود، فبناءً على احتكاكها بتأثيرات الذكاء الاصطناعي على الواقع العملي للمهنة والمستجدات المتوقع ظهورها والتي لا تعرف حدودًا ولا تتقيد بأي أُطر تقليدية. فوفقًا لما قالته الشيباني، يمكننا في المستقبل القريب الحصول على تصميم جاهز متناهي الدقة وعالي الجودة في لحظات وهو ما سوف يحرر الكوادر الإبداعية في مجال تصميم الأزياء من عبء المهام التكرارية وظروف الصناعة التي كانت تستنفذ الكثير من الجهد والوقت وتعيق ترجمة الرؤى الفنية المرسومة على الورق إلى قطعة أزياء على مرأى العين، وتحدّ كثيرًا من الخيال الفنيّ للمصممين، لذا فإنّ تهيئة البيئة المرتكزة فقط على التصميم دون المهام الجانبية سوف يحرر إلهام المصمم التي سيحظى بالوقت والاهتمام الكافيين.

وبالنظر إلى المخاوف العديدة التي أثارها تدخل الذكاء الاصطناعي في هيكلة العديد من المهن وهو استجابة طبيعية لأي فكر ثوري يطرأ على واقعنا العملي التقليدي، تجدر بنا الإشارة إلى أن على الرغم من التقنيات المتحدية للعقل البشري التي فرضها الذكاء الاصطناعي إلا أنّها آلية تنفيذية لتذليل الصعوبات وتعزيز المهارات الإبداعية، وأنّها في النهاية أداة تترجم الخيال البشري ولا تستطيع خلق الإبداع وحدها. لذا فإنّ تطويع عبقرية الأفكار وتجسيدها باستخدام الذكاء الاصطناعي هو منحة عظيمة من شأنها تحقيق ما كان بحسب عقولنا الصغيرة يومًا ما مستحيلًا من الأحلام!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *