أينما توجد المغامرة، تشد “سارة” الرحال إليها. تحت سماء برلين أو لندن بحثًا عن المعرفة، أو في عودة إلى القاهرة حينما قادها الشغف بعد سنوات من المسار الأكاديمي إلى تغيير وجهة البوصلة بحثًا عن الشغف. ولأنّ سارة لا تملّ التمرد على المألوف، قررت التعبير عن استقلالية هويتها في “زكية”، الكيان الذي أثار نهجًا إبداعيًا ثوريًا في عالم الموضة المستدامة، ليغدو . تحمل “زكية” وصاحبتها “سارة سعد” رسالة إليكِ: ارتدي ما تكونين بداخله “أنتِ” التي لا تُشبه أحدًا، لا ما يبعثك إلى عالم من الأشباه.
كيف ترغبين أن يعرفك العالم؟ عرفينا عنكِ كما تحبين.
اسمي سارة وعمري 27 عامًا، درست الاقتصاد والعلوم السياسية في ألمانيا واستكملت دراسة الماجستير، ولم يكن أيّ من التخصصات التي درستها في البداية ذو علاقة بتصميم الأزياء، لكن الاهتمام بالموضة والأزياء وخاصة بالقماش ومدى جودة نوعياته ظلّ دائمًا شغفًا يراودني أثناء انشغالي بدراستي.
متى بدأ حلم “زكية” في وجدانك؟
لا أزعم أن تصميم الأزياء كان حلم طفولتي، لكنّه كان مغامرتي التي غيّرت بها مساري إلى تجربة مليئة بالشغف والتحدي. فطبيعة شخصيتي تدفعني لمطاردة أحلامي والسعي لتنفيذ أفكاري دون تضييع الوقت، فبدأت الرحلة تدريجيًا من رغبتي في تغيير مساري إلى أن اتبعت شعفي بالأزياء ثم أخيرًا إلى تشكل رؤية مشروعي وهي تأسيس علامة تجارية للموضة المستدامة تستطيع تقديم قطع فريدة من نوعها وخارجة عن المألوف.
ماذا عن حكاية “زكية” الملهمة، كيف يمكنك روايتها لنا؟
لم تكن رحلة “زكية” عادية أو ممهدة الطريق، فكما ذكرت، لم تكن دراستي الأكاديمية لها علاقة بالتصميم مما حمّلني عبء اكتساب المعرفة وأساسيات المهنة من البداية حين قررت احتراف التصميم. بدأت القصة في ظلّ أزمة كورونا 2020، كنت أعمل بنظام الدوام الكامل عن بُعد مع شركة استشارية مقرها في “لندن” بينما كُنت مستقرة في مصر، وكُنت ألاحظ دائمًا مدى انتشار ثقافة الموضة السريعة في السوق المصريّ، وهو ما لم يروق لي كإنسانة تعتبر اختياراتها لملابسها جزءًا لا يتجزأ من خصوصية هويتها، فأنا لا أعتبر نفسي شخصية هوائية بل تغلب عليّ الانطوائية وتُعتبر أزيائي بالنسبة لي اللغة التي أُعبر بها عن نفسي وهويتي الخاصة. فكان التنوع والخصوصية التي تمتاز بها الأزياء في “لندن” تجذب اهتمامي أثناء رحلاتي هناك، بينما لم أعثر على الهوية التي أبحث عنها في ملابسي في السوق المصري على الرغم من وجود العديد من العلامات التجارية المحليّة. وذات يوم، تعرفت إلى سيدة محترفة في “الباترون” عن طريق جدتي أثناء ممارستها لأنشطة الجمعية الخيرية التي ترتادها عادة، وطلبت من تلك السيدة مشاركتي في تأسيس مشروعي، وعثرت على عامل حرفيّ خبير، كما نجحت في اقتناء الماكينات التي أحتاجها لأبدأ العمل بفضل المبلغ الذي نجحت في ادخاره من عملي السابق في “لندن”، بأن الحظر الذي فُرض علينا وقتها ساهم كثيرًا في تقليل المصروفات وساعدني لتجميع الأموال.

كيف واجهتِ تحديات البداية؟
في البداية، أخذ بناء التفاهم بيني وبين السيدة التي تعمل معي وقتًا حتى استطعنا الوصول إلى رؤية مشتركة، وكان ذلك تحديًا بالنسبة لي لأنني كنت بحاجة لدعم من شخص يملك الخبرة في الصناعة. لذا، أسست ورشتي الخاصة بهدف التحكم في مستوى الجودة بصورة كاملة، لأن الأولوية القصوى بالنسبة لي كانت الجودة العالية والمميزة. حيث أنّ رؤيتي تقوم أولًا على تقديم منتج فريد من نوعه وذو خصوصية للسوق وليس الإنتاج الكميّ، وثانيًا على تقديم نوعية من الأقمشة صديقة للبيئة، فكان التحدي هو تحقيق معادلة الاستدامة والطابع الفريد للقماش الذي أستخدمه، والذي استطعت تحقيقه عن طريق فائض الأقمشة التي يستخدمها بعض المصممين المشاهير، والتي رغم احتوائها على بعض العيوب الطفيفة إلا أنّي استطعت تحويلها إلى قطع مميزة ليس من السهل الحصول عليها وتتمتع بجودة عالية المستوى.
أخبرينا عن حكاية القطعة الأولى لك كمصممة.

في الحقيقة لم تكُن أول قطعة من تصميمي ضمن أعمالي الاحترافية التي قدمتها علامتي التجارية للبيع، بل كانت محاولة أولية في بدايات تعلمي قبل أن تكتمل عملية بناء مشروعي. كانت القطعة عبارة عن تنورة طويلة تُعتبر نسخة أولية من تنورة “Zeina” التي تُقدمها “زكية” ضمن مجموعة التنانير المميزة المعروضة على الموقع الإلكتروني، كانت التنورة ذات نمط زهري، ربما لم أتقن حياكتها في ذلك الوقت تمامًا لكنني تعلمت استخدام ما تبقى من القماش في حياكة المزيد من قطع الملابس، فلا زلت أحتفظ بالبيجاما التي صنعتها من بواقي قماش تلك التنورة.
ذكرتِ في حوار لك من قبل أنّ رؤية “زكية” تستهدف خلق هوية خاصة للموضة المستدامة لا مجاراة الموضة السريعة أو الموسمية، هلا حدثتنا عما يميز هوية “زكية” من وجهة نظرك؟
تستهدف “زكية” بناء هوية طاغية وخاصة يُمكن للعين أن تُميزها بسهولة بملاحظة تفاصيل التناغم الواضح بين التصميم والأقمشة فقط قبل ملاحظة شعارها أو اسم علامتها التجارية، وأن تكتشف بمجرد النظر أن فتاة ما ترتدي قطعة من مجموعة “زكية” دون أن تخبرك. حيث أنّ رؤية “زكية” بُنيت لكي تدعم الشخصية النسائية المستقلة التي لا تُشبه أحدًا وتتمسك ببصمتها الخاصة، فالقطع التي أقدمها تمكّن السيدة من الظهور بإطلالة تتسم بأكبر قدر من الأناقة والإختلاف بأقل جهد ممكن بأسرع صورة ممكنة، فلا يُصبح وقتها الضيق المزدحم بالمسؤوليات عائقًا أمام إطلالتها المتفردة لأن كل قطعة ترتديها هي نتاج لترجمة فكرة إبداعية.
الآن، تقف أمامك “سارة” الصغيرة التي تحلم بأن تترك بصمتها الخاصة في العالم، هل كنت ستغيرين شيئًا في رحلتها إن كنت تستطيعين؟
لا أعتقد أنني كنت سأغير شيئًا، فحبّ التجربة هو ما كان يدفعني لخوض مسارات مختلفة وهو سبب تقاطع طرقي مع تصميم الأزياء واكتشافي لهذا الشغف. ربما كُنت لأدرس تصميم الأزياء وأختصر مرحلة صعبة في بدايتي، فربما كان ذلك سيمهد لي الطريق، لكنني لا أجزم أنّ له تأثيرًا بالغًا على نجاحي اليوم.
هل أثرت الموضة السريعة على الذوق العام للفتيات في رأيك؟
بالطبع، أثرّت الموضة السريعة على الصناعة بشدة خاصة في اتجاهين هما: السعر، والذوق. فأسعار الموضة السريعة التي قد تبدو عادلة أو اقتصادية بالنسبة للجمهور تبني لهم قناعة أن لهذا المنتج فعالية من حيث التكلفة، في حين أن صناعة هذه القطع تتم في ظروف سيئة تفتقر إلى الإنسانية، فيعاني العمال في مصانع الموضة السريعة من الاستنزاف والإرهاق المستمر مقابل مردود ضئيل للقطعة الواحدة، كما أن منتج الموضة السريعة يحمل للبيئة والإنسان الكثير من الأضرار. أما بالنسبة للذوق، منتج الموضة السريعة هو منتج ذو جودة منخفضة لا يحافظ على رونقه لمدة طويلة وسرعان ما يبلى، مما يتسبب في خلق وتيرة سريعة لتغير الأذواق مما يدفع الجمهور لملاحقة الجديد باستمرار ويُفقد كل شخص هويته التي تميزه إرضاءً للاتجاه السائد. ومن أهم الظواهر التي ساهمت في ترسيخ هذه الثقافة هي التأثر بصنّاع المحتوى، فكثيرًا ما أجد الفتيات يتهافتن على أحد تصاميمي الذي اردته إحدى صانعات المحتوى دون أن يعرن للاهتمام ما إن كان يناسبهنّ أولا، وإذا اقترحت عليهنّ بدائل قد تكون أكثر تميزًا لا يغير ذلك من تمسكهنّ بالتصميم الذي حظي برواج على منصات التواصل الاجتماعي.

هل يستطيع مصمم الأزياء تطويع مهاراته لخدمة القضايا المجتمعية في رأيك؟
بالتأكيد، الموضة المستدامة هي خير صديق للبيئة، والورشة التي تصنعين داخلها الإبداع هي مجموعة من فرص العمل للعديد من الأشخاص. وبالنسبة لمصمم الأزياء تحديدًا، فيقع على عاتقه رسالة إنسانية وهي علاقته بالعمّال الذين يشاركون في صنع اسمه وماهية الظروف التي يعيشونها والتقدير الذي يحصلون عليه، فكثيرًا ما يتعرض العمال في هذه الصناعة لظروف كارثية وغير إنسانية أثناء تأدية عملهم. كما أنّ لهذه المهنة ما تُقدمه للنساء، فطبيعة المهنة غير المُحددة بمواعيد مُلزمة ومرونتها تساعد الأمهات العاملات على التنسيق بين أعمالهم وحياتهنّ الأسرية، وإعطائهنّ الإجازات في حالة تعرضنّ لظروف صحية شاقة. لأن انتمائنا للمجتمع كمصممين يُلزمنا بالقيام بمسؤوليتنا الاجتماعية، وتتعدد الطرق للقيام بذلك حسب احتياجات الوسط المحيط بكل مهنة أو شخص، و تجاه زملائنا و شركائنا، وعملائنا، وبيئتنا.
كيف تكتشف الفتاة تلك القطعة التي تلائمها دونًا عن غيرها؟
بحكم أن “زكية” تُعتبر متجرًا إلكترونيًا، فالفرصة لتجربة القطعة قبل شرائها أو معاينتها ليست متاحة للأسف. لكننا نحاول أن نتفادى ذلك من خلال توفير مقاسات تتسم بالمرونة قدر الإمكان، وكثيرًا ما تُخصص التصاميم بمواصفات معينة يحددها العميل مسبقًا، وهي الطريقة الأمثل بالنسبة لي ليحصل على أقرب نتيجة لتصوره.
ما هو أكبر خطأ يجب أن يتفاداه مصمم الأزياء المبتدئ في بداية مشواره اليوم؟
نظرًا لأنني أتعامل مع العديد من العلامات التجارية الناشئة، ألاحظ ظاهرة متكررة وهي استهلاك الأفكار والعدد الزائد عن الحد من التصاميم منذ إطلاق المجموعة الأولى، وهو نوع من التسرع في رأيي. ففي البداية لا بد أن أعرّض تصاميمي للاختبار والتجربة وأقيّمها حتى أستطيع الحكم عليها بشكل صحيح، كما يجب أن أعطي الأولوية للجودة العالية والبصمة الإبداعية لكل قطعة وليس لإنتاج كمّ كبير دون الاكتراث لعوامل نجاح التصميم.
دعينا نتحدث عما وراء الكواليس، من كان الجنديّ المجهول وراء نجاحك؟
أرى أن “رحاب” شريكة نجاحي المحترفة في صناعة الأنماط ((Patternmaker – والتي استلمت جائزة “أصغر مصمم” التي اُخترت لها في عرض Egyptian Fashion Awards – هي الجنديّ المجهول وراء الشخصية المُلهمة لـ علامتي التجارية. لولا جهود رحاب الرائعة في ضمان أعلى درجة ممكنة من الجودة والملاءمة، لم نكن لنتمكن من صناعة الترابط والانسجام بين العناصر الذي يكلل هويتنا بالنجاح ويضمن لنا أن نغرد وحيدين بين كثير من الأشباه.
كيف ترين زكية في المستقبل؟
لديّ رؤية خاصة للخطط المستقبلية وهي النمو الأفقيّ لا الرأسيّ، لأن رؤيتنا لا تستهدف زيادة كمّ الإنتاج وتتمسك بطابعها المتميز من حيث جودة الأقمشة وتفرد التصميم في كل قطعة ننتجها. لكننا نستهدف التوسع نوعيًا من خلال إدراج فئات جديدة من الأزياء في خطتنا القادمة مثل ملابس المنزل أو البحر، والأزياء الرجالية وأزياء الأطفال. كما نعمل على الاتجاه لصناعة المشغولات اليدوية مثل تطريز عناصر ثلاثية الأبعاد على القطعة على سبيل المثال.
