تعلقت “رانيا” بقصص المصريين وسيرة أجدادهم، فقررت أن ترويها بطريقتها الخاصة، ليروي القصة حجرًا كريمًا يطغى عليه مجد الفراعنة أو تطريزًا بدويًا يحمل عبق سيناء..
تشربت حب الإبداع منذ نعومة أظافرها، لتُسخر جهودها في سبيل رسالة وطنية جديرة بالفخر والإعجاب مثل إحياء التراث المصريّ وتسليط الضوء على الشخصية المصرية بتنوعها الجغرافي الفريد لتصبح نجمة متلألئة في سماء العالم. في السطور التالية، تروي لنا الفنانة المُلهمة “رانيا هلال” كيف يمكن لأحدهم أن يقتني تاريخًا بمجرد ارتداء قطعة من المشغولات اليدوية..

متى بدأ شغفك بالمشغولات اليدوية؟
في الحقيقة، كان الدافع الأول وراء شغفي بالعمل اليدوي في البداية رغبة في التمرد على الإطار النمطي لوظيفتي الحكومية ذات الدوام الكامل وما تتضمنه من عملِ مكتبيّ متواصل، فكان العمل بالمشغولات اليدوية طريقة مثالية لتطويع طاقتي في إنجاز ذو نتيجة ملموسة من صنع يدي بدلًا من الكمبيوتر.
هل كان لدراستك أثر في مسيرتك؟
بالطبع كان لدراستي أثرُ كبير في صناعة شخصيتي، فكانت دراستي في كلية الفنون التطبيقية صاحبة الفضل في اكتسابي أساسيات المهنة، فكان تخصصي هو قسم “الزخرفة” والذي درست فيه مادة “أسس التصميم” و”تكنولوجيا الخامات” واللاتي نتعرف من خلالهم على الخامات المتنوعة والجديدة وعلاقات الخامات ببعضها، وكيفية تطبيق التصميم عليها. ثم ننتقل إلى مادة “رسم الطبيعة الصامتة” والتي نتعرف من خلالها على الكُتلة والفراغ والظلّ والنور، وغيرها من الأبعاد الفنيّة المختلفة التي تؤثر تأثيرًا بالغًا على المنظور الفنيّ الذي يرى الجمهور التصميم من خلاله. وأخيرًا، فإن الخبرات الأكاديمية المتراكمة التي يكتسبها طالب الفنون من أساتذته تُساعده على تشكيل رؤيته الفنية المستقلة.
من وجهة نظرك، هل الدراسة شرطُ أساسي لاحتراف الصناعات اليدوية؟
بالطبع تُعتبرالدراسة الأكاديمية حجر الأساس بالنسبة للفنان، وعلى الرغم من أن الدبلومات المكثفة في الصناعات اليدوية المنتشرة حاليًا والتي يستعيض بها الكثيرون عن الدراسة ربما تكون طريقًا مختصرًا للاحتراف، لكن لا شيء حتى الآن يضاهي الخبرة المكتسبة من الدراسة الأكاديمية، فما يتلقاه الفنان من أساتذته الأكاديميين من وجهات نظر فنيّة مختلفة ومدارس فنيّة متنوعة هو الأساس الذي تُبنى عليه شخصيته الفنيّة. فقبل احترافي للصناعات اليدوية، كنت أُتقن مهارة الرسم بالفعل بأنواعه المختلفة مثل رسم الجسم الإنساني والطبيعة الحيّة والصامتة، بالإضافة أنني كُنت ملمّة بأبعاد العمل الفنيّ مثل دائرة اللون والظل والمساحة والفراغ وغيرها من الأسس التي لا يمكن اكتسابها بسهولة إلا بعد رحلة من التأسيس الفنيّ. وهذا التأسيس بدوره هو ما يميز الفنان الأكاديميّ عن غيره عند انطلاقه في سوق العمل، فهذه الخبرات تُكسبه شخصية مستقلة ومنظورًا إبداعيًا متفردًا لا يحتاج إلى اقتباس أو تقمص شخصية أحد.
ما الصعوبات التي واجهتك في بداية مشوارك؟
تكوين فريق العمل هو أحد الصعوبات التي تواجه الفنانين الخريجين، لأنهم يؤمنون برؤيتهم الفنيّة بشدة ويعتقدون أن ليس ممن السهل إيجاد من يستطيعون التوافق معه في تصور فنيّ مشترك. ولكن الخبرة العملية أثبتت لي أن لا شيء يضاهي أهمية التكاتف بين فريق العمل، فهما كانت الدراسة النطريّة قيّمة فإنها لن تتجاوز وضعي للفكرة الأولية أو صنعي للقطعة الأساسية، ولن تعوض الخبرة العملية للحرفيّ أو صانع الحُليّ ذو خبرة الثلاثين عامًا الذي يتفوق في مهاراته التطبيقية عليّ بكثير، فمن غير الممكن أن يتوسع مشروعي إنتاجيًا ويجاري المنافسة في سوق العمل بدون سجل خبراته الطويل.
مم تستقين الإلهام؟
للفنان قدرة على استقاء الإلهام من كل شيء، لكن الطبيعة هي أعظم مصادر الإلهام. فمثلًا، استلهمت فكرة معرضي الأول “ورود الصحراء” بعد رحلتي إلى الجبال البيضاء بسبب التناقض العجيب والرائع بين الجبال السوداء والرمال البيضاء هناك، فالطبيعة في مصر كفيلة بإلهام أي فنان. ومن ثم بدأ التراث المصري يؤثر في رؤيتي الفنيّة بصورة كبيرة وتبنيتُ قضية حماية التراث المصري من الاندثار، والذي لن يحدث سوى بجهود الفنانين المصريين في التعبير عنه وتبني هويته في أعمالهم.
لماذا قمت بتبني فكرة إدخال التراث المصري في تصاميمك؟
قُمت به حين لاحظتُ الفجوة الثقافية بين سُكان المدينة والصناعات التُراثية المصرية، لذا عزمت على ربط الهوية العصرية بالتراث في أعمالي الفنية للتعريف بهذا الجانب المجهول للكثير من الناس. على سبيل المثال، تستقي الواحدات التراثية المُطرزة (الموتيفا) التي تصنعها السيدات في مشغولاتهنّ وملابسهنّ في سيناء تفاصيلها المميزة من المتعة البصرية للطبيعة الجبلية وزهورها البرية الجميلة ذات الألوان البهيّة الصارخة التي يمكنها أن تحول قماشًا أسودًا إلى لوحة فنيّة تحمل هوية سيناء، فأثارت إعجابي قدرتهنّ على إنتاج هذا الفنّ الرقيق من الطبيعة الصعبة والحادة للحياة الجبلية ومناخها المتقلب، مما دفعني إلى تبني شخصيتهنّ الفنية وتطبيق خواصها على منتجات عصرية مختلفة من المشغولات النحاسية والجلود للتعريف بالتراث المصري للفئات العامة من المصريين.

ما هي الخطوة الاحترافية الأولى في مسيرتك؟
أول خطوة حقيقية تضعني على الخريطة هي استضافة وزارة الثقافة لي كانت عام 2010 في معرض فنيّ في مركز الجزيرة للفنون في منطقة الزمالك، حيث دعمتني الوزارة بتوفير قاعة العرض والدعاية من خلال دعوة المنصات الإعلامية والصحفيين للنشر عنيّ في الجرائد بعدما كانت المعارض التي أشارك بها غير رسمية وليس لها صدى إعلاميّ كبير. وكانت هذه الفرصة بالتحديد مميزة للغاية لأنها كانت المرة الأولى التي تُقدم فيها الفرصة للفنانين الشباب بعدما كانت المعارض مُحتكرة لصالح الفنانين والمشاهير وخاصة الفنانين المشتغلين بالذهب والفضة والأحجار الكريمة، فكان الاهتمام بالمشغولات النحاسية وفتح الباب أمام الأفكار الجديدة نهجًا استثنائيًا في هذا المعرض.
وكيف ساعدتك هذه التجربة في خطواتك التالية؟
في الحقيقة استفدت استفادة بالغة من هذه التجربة، فحققتُ طفرة نوعية في المبيعات منذ يوم الافتتاح وكان هذا مفاجئًا للقائمين على المعرض، و ذلك أيضًا كان دليلًا كافيًا بالنسبة لهم على الاستجابة المذهلة من الجمهور للأفكار الخارجة عن الصندوق، فكان هذا المعرض قصة نجاح مشتركة بيني وبين القائمين عليه والذين لم يبخلوا بدعمهم وتشجيعهم لي خاصة الفنان التشكيليّ الكبير أ. محمد رزق -رحمه الله- والذي كان يدير المركز حينها، حيث عُرف عنه قناعته الشخصية ودفاعه بكل قوة عن الإتجاه الشبابي ودعم الفنانين الجدد ورؤيتهم الفنيّة الإبتكارية.
كيف تستطيعين تطويع التفاصيل لتُعبر عن هوية بعينها في قطعة صغيرة من الحُلي؟
الطبيعة المتنوعة والمستقلة لكل من المجتمعات المصرية الداخلية كانت سرّ تمكني من التلاعب بالتفاصيل وتطويعها. فلكل مجتمع خصوصيته، فعلى سبيل المثال، تختلف المجتمعات ذات الطبيعة الجبلية عن البحرية والساحلية. ولا يكمن سرّ هذا الاختلاف في عوامل الطبيعة فقط، بل أن العوامل الإنسانية أيضًا لها دور كبير. حيث أن للبُعد التاريخي لواحة سيوة وكونها حلقة الوصل التجاري بين مصر وشمال أفريقيا أثرُ في هويتها، ويظهر ذلك جليًا في التشابه بين الحُليّ في “سيوة” والحُليّ في “طنجة” في المغرب وكذلك في كافة دول شمال إفريقيا بسبب التأثر الثقافي بالقبائل التي كانت تمرّ من الواحة قديمًا. لكن هذا التأثر لا يعني التطابق، فلكل منهم شخصيته المستقلة؛ فالحليّ الأمازيغية المغربية تُطعم بالعاج، بينما تتميز التونسية بقوة الألوان، بينما ينفرد الطرز المصري بالنقوش التراثية المحفورة على القطع النحاسية ثلاثية الأبعاد والمُعبرة عن الطبيعة الجبلية في واحة سيوة، والتي استهدفت إحيائها بعدما أصبحت في طيّ النسيان في مشروعي مع الأمم المتحدة كما ذكرت سابقًا.
ما هي اللحظة الأجمل في مشوارك حتى الآن؟

منّ الله عليّ بالكثير من اللحظات الجميلة في مشواري، لكن اللحظة الأجمل على الإطلاق كانت ليلة نهائي كأس العالم في قطر حين أطلتّ الفنانة الأوبرالية الرائعة “فرح الديباني” بعقد الجعران -أحد قطع مجموعتي- في الحدث وكُنت أنا أول من لاحظه بنفسي فكانت مفاجأة كالحلم بالنسبة لي، خاصة أنني لم أكن أعلم بأنها سترتديه، وأنها شخصيًا لم تكن تعلم أنها ستظهر به في هذه الليلة إلا بعد تأهل منتخب فرنسا للنهائي، أي أن تجهيزه من أجل الليلة تم في 24 ساعة فقط. فكان ذلك كالهدية التي حصلت عليها في الوقت المناسب لتمنحني الدعم بعد فترة إحباط كنت أمرّ بها حينها أن يقع اختيار “فرح الديباني” على هذه القطعة لتُعبر من خلالها عن اعتزازها بالهوية المصرية في حدث عالمي ضخم يعني أنّ رسالتي في إحياء التراث المصري قد وصلت بنجاح. حيث تتميز هذه القطعة بالتحديد بخصوصية شديدة استهدفت بها تسليط الضوء على الحضارة المصرية باستخدام الأحجار القوية التي كان الفراعنة يستخدمونها بهدف الأبدية، وبالفعل ظلّت هذه الأحجار صلبة ومتماسكة حتى اليوم، حيث يتوسط هذا العقد قطعة تتكون من جناحين مما يعبر عن الشعور بالانطلاق، كما أن الجناحين يعودان إلى الإله إيزيس إله الأمومة عند المصريين القدماء، ويحتضنان الجعران الذي يحمل قرص الشمس، بالإضافة إلى الحجر الأزرق المستخلص من الأرض المصرية في صورة تنطق فخرًا بالهوية المصرية لم تتخل عنها فرح الديباني حتى أثناء إلقائها النشيد الوطنيّ الفرنسي.
كيف بدأت رحلتك مع الأمم المتحدة وماذا أكسبتكِ؟
كانت بداية عملي مع الأمم المتحدة في مشروع قومي تطوعي بقيادة أ. طارق الباز -رحمه الله-، وكان المشروع يدعم رؤيته التي طرحها على الأمم المتحدة لتكون أحد المشاريع الإنمائية القومية وهي تستهدف ربط المصممين المصريين الشباب بالمجتمعات الحدودية أو غير المستقرة التي لا تحظى باستدامة كاملة حتى الآن رغم مخزونها الثقافي القويّ بهدف مساعدة هذه المجتمعات على الاكتفاء الذاتي والاستقلالية، وكان دوري هو إعداد دراسة حالة عن الأعشاب الجبلية في سانت كاترين، فكان مشروع المنظمة يستهدف الترويج للنباتات العطرية هناك، وكان عليّ مساعدة المجتمع الصغير هناك على الترويج لمنتجاتهم المصنوعة من تلك الأعشاب على نطاق أوسع، فاقترحت أن تُستخدم المنتجات البيئية للتغليف ونبدأ في بيعها في المعارض المحلية والدولية والتي كانت بوابة للتعريف بالأعشاب العطرية المصرية المستوفية لجميع معايير الصلاحية الدولية بيئيًا وصحيًا. وكانت هذه التجربة بوابة لتعييني كمستشارة للمشاريع تابعة للأمم المتحدة، وانضمامي لمشاريع أخرى بعد ذلك مثل مشروع المحميات الطبيعية الذي تضمن وادي الجمال ووادي الحيتان وسيوة. وكانت هذه التجارب المميزة بالطبع مصدر إلهام عميق لي في منتجاتي الفنيّة، فما لمسته من مخزون ثقافي عظيم في هذه المجتمعات كان دافعًا لي لتبني حماية هذا التراث وإحيائه من خلال الفنّ.
من وجهة نظرك، ما التحديات التي تواجه قطاع الصناعات الحرفية في مصر؟
التحديات كثيرة، قد تصل لمرحلة الحرب. لكنّ مخزوننا التراثي العظيم يستحق المحاربة ولدينا ما يستحق الظهور وأن يعود لمكانته التي يستحقها. المناخ العام ليس مشجعًا بما يكفي، ويستغرق تدريب العمالة وقتًا طويلًا، بالإضافة إلى المجهود الشاق الذي يُبذل للحصول على منتج نهائي، لأن الخامات لا تتوفر أغلب أوقات العام لأنها تُستورد من الخارج، كما نعاني من جودتها المنخفضة أيضًا. لكننا نواجه التحديات على قدم وساق للوصول إلى أعلى جودة وتحدي حقيقي في ظل الظروف الحالية. لكن هناك من التفاصيل ما يهوّن علينا عملنا الشاق مثل العملاء الذين يُقدرون الفنّ الذي نقدمه تقديرًا حقيقيًا، سواء على مستوى المبيعات أو التقدير المعنوي من المعنيين بالفنّ اليدوي خارج مصر. لكن أكثر ما يُشعرني بقيمة جهودي هو زيادة فرص العمل وتطور العمالة مهاريًا وتزايد الإنتاجية مع الوقت، مما يخلق مناخًا عامًا مشجعًا على تقدير الفنّ.
هل كان لتجربتك في العمل الحرفيّ في المصانع أثر في صناعة شخصيتك كصاحبة مشروع مستقل؟
بالطبع، ففي البداية أثناء عملي بوزارة الصناعة مررت بتجارب عدة في عديد من المصانع مثل مصانع الجلود والنسيج وتعرفت على المراحل الأولية في العمل بها وتأثرت بالطاقة الإنسانية العظيمة التي رأيتها في جهد العاملين، مما غرس فيّ الشغف بفكرة الإنتاج فلم تقتصر رؤيتي لمشروعي الشخصي على التصميم فقط على الرغم من المخاطرة الكبيرة المرتبطة بالعمل الإنتاجيّ اليدوي، لأن نجاح الإنتاج يتوقف على عدة عوامل مثل الحالة البدنية والنفسية للعامل وسجل خبراته المهارية، مما يجعل احتمال النجاح محفوفًا بالمخاطر، ويجعل المراهنة عليه تحديًا كبيرًا. حيث أنّ تحقيق الأهداف الإنتاجية يتطلب الدعم المستمر للعمالة وتوفير المناخ المساعد على الشعور بالانتماء للفريق وحبّ العمل على قلب رجل واحد، ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم باستمرار، وشعورهم بمردود جهودهم والتوسع الناتج عنها دائمًا.
إلى أي مدى يؤثر اختيار الخامات في المنتج النهائي؟ وهل أصبح لدينا اليوم خامات محليّة نستطيع الاعتماد عليها؟
الخامات هي الأساس الذي نبني عليه كل شيء، لأنّ جودة الخامات هي سرّ نجاح المنتج من عدمه؛
فمثلًا تتطلب عملية تجهيز الجلد جهدًا وتكلفة مادية كبيرة، فعلينا استخدام خامات الجلود ذات الدرجة الأولى أي الجودة الأعلى. وفي الحقيقة، يمتلك قطاع الصناعة المصريّ اليوم التقنيات والخامات القوية مثل البطانات والجلود والنحاس الذين استخدمهم شخصيًا، ولكن ما نحتاج لتطوير صناعتها فقط هي الإضافات والإكسسورات، فإن اهتممنا بهذا الجانب ربما نصل لمرحلة نصنع فيها مشغولاتنا من الألف إلى الياء و لا نحتاج بها للاستيراد.
كيف نعزز من أثر الفنّ في التوعية بالهوية المصرية في رأيك؟
بأن يتسم بالطابع العصري بما يكفي لمجاراة الحاضر، وأن يتمكن من تلبية احتياجات السوق بصورة واقعية. فأكثر ما دفعني للالتحاق بكلية الفنون التطبيقية دونًا عن غيرها من كليات الفنون أن رؤيتها الفنية تأخذ في الاعتبار أن الفنّ للتوظيف ولأن يترك أثرًا حقيقًيًا في الحياة اليومية للجمهور لا يمكنه الاستغناء عنه مثل قطعة اكسسوار لا تكتمل الإطلالة من دونها، ولا تتجاهل أذواق واحتياجات الجمهور في المنتج الذي تقدمه، أو أن تعتبر الفنّ في معزلِ عن الواقع.

فلنتحدث عن الاحلام قليلًا.. إلى أين تحلمين أن تصل أعمالك اليدوية الفريدة؟
أحلم بالعالمية ومتحف اللوفر، أعتقد أن الأوان قد آن أن نعبر عن الفنّ المصري في الخارج بعد ما أديّنا واجبنا تجاه تراثنا المحليّ داخل مصر، فبينما تستوحي بيوت الأزياء العالمية أعمالها من تراثنا و مخزوننا التاريخيّ والثقافي، لا يجدر بنا الوقوف هنا وعلينا أن نُحيي المنتج المصريّ الأصليّ. فنحنُ أصحاب الحضارة الفرعونية وتجري دمائها في عروقنا، و نحن من وضعنا اللبنة و لسنا عاجزين عن أن نُقدم تراثنا بصنع أيدينا، فلا نحتاج إلى صورة مُستهلمة بينما نمتلك الأصل.
وبصورة عامة، أحلم أن يرتدي المصريون جميعهم من تصميم المصممين المصريين، لكن ذلك يحتاج منّا تلبية احتياجات السوق المصري والذي يتسم بالتنوع الشديد، لذا علينا توظيف قدراتنا لتغطية الأذواق والأعمار المختلفة، فإذا استطعنا تحقيق هذا التوازن يمكننا النجاح.
من هو مثلك الأعلى؟
والدي هو مثلي الأعلى، لأنّ والدي أول من لاحظ موهبتي وميولي الإبداعية ودعمني بشدة لملاحقة شغفي، وكان أول من اهتم بتنمية الإبداع في شخصيتي منذ الصغر. فكان لأبي قناعة بأنّ الحس الإبداعيّ لا يقتصر على المواهب الفنيّة وليس بالضرورة أن يصنف فنانًا بالمعنى المتعارف عليه فقط، بل أن هذه الإبداعية تنعكس على أداء الفرد مهما كانت وظيفته؛ فتُنتج معلمًا مبدعًا ومحاميًا مبدعًا وطبيبًا مبدعًا. فالإبداع يوسّع مدارك الإنسان ويعزز طاقته، ويصنع شخصًا ذو بصيرة وعقل مستنير ورؤية متفردة ويمكنه التعامل مع المواقف في أقل وقت وبأقل جهد، مثل نورِ في الظلام.
وراء كل نجاح جنديّ مجهول.. لمن تهدين ما وصلت إليه اليوم؟
أهدي نجاحي لأمي العزيزة، التي على الرغم من أن القرار الذي اتخذته بتغيير نمط عملي من الوظيفة المستقرة ذات الراتب الثابت إلى العمل الحرّ كان مفاجئًا للغاية بالنسبة إليها، إلا أنّها لم تتوان عن دعمي ووثقت في رؤيتي وقراري بالبدء من نقطة الصفر في مجال آخر لا يُعد الطريق إليه ممهدًا، بل يمتلئ بالعقبات والتقلبات بين النجاح والفشل، وقد دعمتني والدتي في كل أحوالي. فلم يكن التحول من الحالة المستقرة والعمل الثابت في مكتب وزاري إلى تأسيس مشروع من البداية و3 سنوات من دون دخل بعد الاستقالة أمرًا هينًا، ولم أكن لأتحمل ضريبة هذا التغيير والمواصلة حتى تحقيق الهدف دون مساندة أمي لي.
ماذا تعلمتِ من تجربتك كسيدة أعمال مستقلة؟
تعلمت الصبر، وتعلمت أن الأماني فعلًا ممكنة وليست بعيدة المنال كما نعتقد، بشرط السعي والاجتهاد فلكل مجتهد نصيب، وأنّ من يريد تحقيق شيء ما يعرفُ خطواته جيدًا وقد يتجاوز ما سوف يحققه ما حلم به حتى، فهناك لحظات مرّت عليّ لم أتخيل يومًا أن أعيشها ولم أحلم بها. وأخيرًا، أن ثمة أوقات يجب ألا نفرط بها في التخطيط وأن نستودعها لتدبير الله، وكثير ما تكون الخطة الإلهية أجمل بكير مما خططنا له بمعرفتنا القاصرة.
بما تنصحين المبتدئين أو الراغبين في حفر أسمائهم في الصناعة الحرفية وخاصة الحُليّ؟
أن يأسسوا أنفسهم من الصفر ويدرسوا بجدّ ليستطيعوا تكوين هوية الخاصة بدلًا من المواصلة من حيث توقف الآخرون أو تقمص رؤية أخرى، فصناعة الحليّ هي عملية إنسانية بحتة ولا بد أن يكون لكل فنّان عامل بها تجربته الخاصة. لذا يجب يهتموا بالجانب الثقافي للمهنة ومصدر الإلهام الحقيقيّ لأعمالهم ، فلا بد أنّ يطّلعوا على التاريخ الإنساني ويدرسوا الروابط الثقافية بين الهوية التراثية والحليّ يصنعونها، فلكل قطعة تراثية قصة إنسانية حقيقية ذات هوية زمنية ما وموطن أصليّ ما يجب أن يهتم الفنّان بالاندماج داخله والاستماع إلى حكاياته لاستكشاف طبيعة حُليّه وتشرّب تفاصيلها. حيث أنّ تاريخ الحُليّ التي يرتديها أهل المجتمع يروي تاريخًا متفردًا لم يُروى من قبل، مثل توارث الحُليّ بين الأجيال والحُليّ التراثية التي ترتديها فتيات المجتمع في الزفاف، فالقطع الأصلية لها وقعُ مميز يختلف عن أي منتج آخر، لأنها تُشعر العميل أنّه يقتني تاريخًا لا يشتري مُجرد قطعة من الحُليّ، مما يُضفي شعورًا بقيمة الهدية وبُعدها الوجدانيّ في حياة مُقتنيها. فكلما بحث الفنان عن الهويات الثقافية المختلفة حولهم كلما استكشف عوالمًا فريدة من نوعها وكفيلة أن تترك أثرًا مميزًا في أعماله.