إن كان هذا الليلُ لا يكفي، فبالنهارِ كمالُ حكايتنا: قصة أحذية غزالي وروعة الشِعر في كل خطوة

حوار: جهاد الجمل

إن كان هذا الليلُ لا يكفي، فبالنهارِ كمالُ حكايتنا”..

هل رأيتِ حذاءً يروي الشِعر في صاحبته من قبل؟ تروي أحذية “غزالي” قصة كل امرأة بعينِ الغزل وتُرافق خطواتها المُتشبثة بهويتها الأنثوية، وتُهدي كل أبيات الإشتياق من قلب ابنة إلى ذكرى أبيها، في هذا العدد تروي لنا “دينا غزالي” قصتها في كسر الصورة الذهنية عن الحذاء ورحلته من اختيار على هامش الإطلالة إلى قطعة جوهرية تروي سيرة من الثقة والأصالة والهوية التي ترويها أبيات الشِعر الحكاءة المحفورة في قصة كل حذاء. 

كيف تحبين تعريف نفسك كإنسانة أولًا، وكمصممة ثانيًا؟

بمنتهى البساطة، أنا إنسانة تحب الحياة وتُلاحق أحلامها بتوفيق الله، ومصممة تسعى لبناء هوية فريدة يطغى تميُزها وخصوصيتها على أنماط التصميم الاعتيادية وهو ما يظهر جليًا في تصاميمي. كما أنني كامرأة تستهويني الأحذية ولا أرى الحذاء مجرد قطعة تكميلية للإطلالة بل اختيارًا جوهريًا يمكن أن أحدد بقية عناصر الإطلالة على أساسه. 

كيف تقاطع طريقك مع تصميم الأزياء؟

بدأت قصتي مع تصميم الأزياء بمحض الصدفة تمامًا ولم أخطط لها قط، فكانت الخطوة الأولى من 4 سنوات ونصف حين عُدت إلى مصر لأول مرة بعد حياتي بالخارج طيلة عُمري وصادفت إحدى الإعلانات عن دورة لتعليم تصميم الأحذية والتي ذكرتُ مسبقًا أنها بؤرة اهتمامي، مما جعل هذه الدورة فرصة رائعة لي سواءً انتهت بتأسيس مشروعي الخاص أو مجرد دراستي لحرفة أنا شغوفة بها بالفعل. ومع استمرار الدورة أحببتُ دراسة تصميم الأحذية وقررتُ بالفعل أن أؤسس مشروعي الخاص لتصميم الأحذية وهو ما جاء تلبية لرغبتي في تحقيق ذاتي والتي لم أكتشف طريقها سوى عند اكتشافي لشغفي بالأحذية والذي كنتُ ألحظه في تعليقات المحيطين بي في حياتي وعملي وإعجابهم الدائم باختياراتي لأحذيتي الخاصة وثقتهم في ذوقي، مما أثبت لي أن  التجربة تستحقُ المغامرة ودلّني على الطريق الذي يُعبر عنّي وعن موهبتي.

ما الذي يميز تصميم الأحذية خاصةً من وجهة نظرك؟

من وجهة نظري -وأعتقد أن العديد من مصممي الأزياء والمهتمين بها يتفقون معي- أرى أن الحذاء هو حجر الأساس في انسجام عناصر الإطلالة على عكس ما يعتقده الكثيرون أن الأحذية هي آخر ما يجب أن تلتفت إليه الفتاة في إطلالتها بعد اختيارها للحقيبة والإكسسوارات ..إلخ، فاختيار الحذاء الخاطئ يُمكن أن يُفسد إطلالة كاملة كما يُمكن أن يدُب الحذاء الصحيح الحياة في إطلالة باهتة، فالحذاء جزء لا يتجزأ من الإطلالة وليست عنصرًا تكميليًا، وأكبر دليل على ذلك هو اتجاه الموضة السائد في المناسبات الآن بارتداء حذاء السنيكرز الأبيض في منتصف اليوم  بعد الكعب العالي، وهو ما أراه غير مقبول نظريًا وتُعتبر خرقًا للتناسق والانسجام بين عناصر إطلالة السهرة، مما دفعني لتحقيق المعادلة بين الراحة والأناقة عن طريق تصميم أحذية سنيكرز باستخدام الساتان بألوان مختلفة وكتابة الجُمل الراقية عليها لإضفاء هوية خاصة على الحذاء.

 ما أهم ما يميز أحذية “غزالي”  عن غيرها؟

أهم ما يُميز هوية العلامة التجارية لأحذية “غزالي” هو الخط العربي (Calligraphy) بما يحملِه من قصصِ نابعة من وجدان صاحبة الحذاء كأبياتِ الشعر الغَزلية أو المُعززة لهوية المرأة، فأبياتُ الشِعر التي تُميز واجهة أحذيتي هي شعلة الإلهام التي تُهديني لتصميم حذاءٍ جديد وترتبط لديّ بهوية القطعة التي أصممها سواءً بدأت بالتصميم أولًا ثُم عبّرت عن هويته ببيتِ الشعر الذي يُمثله أو عندما يُلهمني بيتُ شعر أحببته بفكرة حذاءٍ جديد، كما أستخدم الخرز بطابعه الفريد في تصميم أنواع أخرى من الأحذية، ولا أترُك أي قطعة أساسية أو تقليدية دون أن أُضفي عليها بصمتي الخاصة. أي أن أهم ما تتسم به هوية “غزالي” هو أنها لا تمُت بِصلة لأي شكل من أشكال التقليدية وتقديم منتج ذو خصوصية.

هلا حكيت لنا قصة الحذاء الأول من تصميمك؟

أثناء دراستي لدورة تصميم الأحذية كُلفت بإعداد أول مجموعة من تصميمي لنُطبق ما تعلمناه عن كيفية إعداد مجموعات التصاميم، وكُنت قد اخترت موضوع التصميم عن الأزياء الليلية، فكان عليّ استقاء الإلهام من المواد المرئية المُرتبطة بأجواء الليل والطبيعة على شبكة الإنترنت، وبعد تجميع المصادر المطلوبة باغتني الإلهامُ كالوحي حين وقع نظري على صورة لسماء حالكة السواد تخللُها النجوم ليلًا، فقادتني الصورة إلى حالة وجدانية شاعرية كانت تتماشى أيضًا مع الموسيقى التي أحبّ سماعها أثناء عملي، وكانت النتيجة التي شكلتها عناصر الإلهام تلك هي حذاء سهرة ذو كعب عالٍ مُطرز عليه خرزُ متلألأ (ستراس) يُمثل النجوم المتألقة في حضرة سواد الليل، واكتملت لوحتي الفنية بالجُملة التي عبّرت بها عن الحالة الشعورية للتصميم وهي :” إن كان هذا الليلُ لا يكفي، فبالنهارِ كمالُ حكايتنا”. سلّمت المجموعة بالفعل والتي كانت تحتوي على تصاميم أخرى، لكن أول ما لَفت نَظر مدرّبي هو هذا الحذاء بالتحديد وكان يرى أنه يختلف عن بقية التصاميم وأنه سيكون نواة هويتي الخاصة أو على حد توصيفه أن هذا الحذاء “غزالي”، لأنه كان يعلمُ أنني كنتُ أنوي تأسيس مشروعي باسم والدي الراحل وفاءً لذكراه وتخليدًا لاسمه، فكانت مشاعر الحنين والاشتياق له تغمُرني وكانت رواية قصتي عبر أبيات الشعر في تصاميمي هي طريقتي في التعبير له عن حبّي. 

رُسمت على أحد أحذية “غزالي” جملة تقول: “واثق الخُطى يمشي ملكًا”. هل تُمثل لك هذه الجملة مجرد جزء من التصميم أم رؤية حقيقية يستند إليها “غزالي”؟

تُعبر أبيات الشعر التي اختارها عنّي شخصيًا، فلا اختارها عشوائيًا بل أنتقيها لتُعبر عن “غزالي”. وهذا البيت تحديدًا يُلخص رؤية مشروعي وما أهدُف إليه وهو تقديم حذاء فريد من نوعه لتشعر المرأة التي اختارته بأنها مميزة و أن إطلالتها لا مثيل لها، وأن خطواتها بِرفقة هذا الحذاء هي خطوات امرأة قوية وجميلة ومتشبعة بالفّخر.

هلا شاركتنا بأحد التحديات التي صقلت هوية مشروعك؟

كان التحدي الأكبر بالنسبة لي هو اختلاف طبيعة مجال التصميم والأجواء في مصر عن طبيعة دراستي السابقة وحياتي بالخارج، لذا كان التأقلم على الواقع الذي اصطدمتُ به حين بدأت مشروعي في مصر مهمة صعبة خاصةً عند احتكاكي بالمصانع ورحلة البحث عن الخامات، خاصة أنني كُنت حريصة على إيجاد أفضل مستوى ممكن من الجودة يُمكن أن يحظى به مُنتج مصري، وهو ما يُعتبر أحيانًا مُهمة شاقة في ظل الظروف المحلية وصعوبة الوصول إلى الخامات التي كانت أحيانًا ما تعيق تنفيذ أحد التصاميم لعدم توافر المتطلبات أو اضطراري لتعديل التصميم بما يتوافق مع الإمكانات المتاحة، لكن في نفس الوقت أكسبني هذا التحدي المرونة في تنفيذ أفضل مستوى ممكن للتصميم في إطار المتاح لتوسيع رؤية مشروعي.

حدثينا عن أحد الأحلام المؤجلة التي تنوين تحقيقها في مشروعك؟

لا يُعتبر ذلك حلمًا مؤجلًا بل قيد التنفيذ، أحلُم أن يقتحم”غزالي” المنافسة على المستوى العربي أولًا ثم أن يُنافس كبار العلامات التجارية المرموقة عالميًا يومً ما.

إلى أي حد تُمثل الخامات عاملًا هامًا في صناعة الحذاء؟

يعتمد ذلك على توجه كل علامة تجارية، لكن بالنسبة لي أحرُص على استخدام أعلى الخامات جودة من كل نوع أستخدمه مثل الجلود والساتان وغيرهم، فالخامات تلعب دورًا حاسمًا إضفاء الثِقل على الشكل النهائي للتصميم واستدامته وحِفاظ المنتج على جودته لأطول وقت ممكن وهي الملاحظة التي دائمًا ما أتلقاها من عملائي الذين ينبهرون بجودة الخامات وتوافر مثل هذا المُنتج في السوق المصري وتنزعج الكثيرات منهنّ إن نقص أحد المقاسات من تصميم معين أحبوه.

هل يُعبر الحذاء عن شخصية صاحبه؟ وهل تلعب شخصية العميل دورًا في تصاميمك؟

أعتقد هذا، فلكل امرأة بصمة خاصة في اختيار حذائها تُعبر عنها. على سبيل المثال، يعلم المقربين مني جميعًا أن “دينا” والكعب العالي لا يفترقان، وكذلك بالنسبة لبقية النساء مع نمطهنّ المُفضل. فمن تميل إلى التشبع بالثقة غالبًا يقع اختيارها على الكعب العالي، بينما تُفضل من تحتاج إلى إنجاز العديد من المهام ويغلُب عليها النمط العملي الأحذية المُسطحة. وبالنسبة لتأثير تفضيلات العُملاء على تصاميمي، أحرُص عامة أن تشمل تصاميمي مُختلف الأنماط الرائجة بين السيدات وإرضاء جميع الأذواق وتتنوع تصاميمي بين الأحذية ذات الكعب العالي والمتوسط والأحذية المُسطحة.

من تتذكرين حين تقع على سمعِك جملة “المثل الأعلى”؟

بلا أي تردد، المصمم اللبناني إيلي صعب بالطبع. لأنه يُعتبر في حد ذاته علامة عالمية وهو ما أطمح أن  أصِل إليه يومًا بالمُنتج المصري الذي أُقدمه. ربما اضطر إيلي صعب إلى نقل حياته وعمله بالكامل إلى باريس ليَصل إلى العالمية، لكنّ “عزة فهمي” بيننا أيضًا وتستهدف الوصول للعالمية من داخل مِصر وهو ما أحلُم أنه أُحاكيه يومًا لأُخلد قصة مصممة مصرية النشأة والهوية فرضَت اسمها على المنافسة العالمية حتى إن اضطُررت للانتقال بحياتي إلى الخارج.

تخيلي الآن أنك قد عُدت إلى يومِك الأول كمصممة، بما تنصحين ذاتك القديمة من خلاصة تجربتك اليوم؟

في أحد الكتب التي اقتنيتُها والتي تحكي عن أعظم 100 مُصمم عالمي، لم تخلُ سيرة أي من المصممين العالميين مثل “كريستينان ديور” وغيره من العقبات والتحديات، لكنّ سر نجاحهم كان تحويل تلك العقبات إلى دروس للتعلُم، لذا نصيحتي لذاتي القديمة ولأي مصمم ناشىء هي ألا يسمح للعوائق أن تُعطله وأن يتخطاها بكل عزمٍ وقوةٍ وإرادة كامنة داخلِه، فالعوائق جزءً من طبيعة الرحلة. في بداية مشواري تعطلتُ لستة أشهر بسبب بعض التحديات التي واجهتني، وكثيرًا ما تعرضتُ للإحباط، لكنني كُنت أصمم على مواصلة ملاحقة أحلامي وكانت تُصادفني الإشارات الربانية التي تدفعني للأمام كُلما تمكن منّي هذا الشعور مثل منشورِ تُعبر فيه أحد عميلاتي عن إعجابها أو رسالة تصلني من أُخرى تُعبر فيها عن انبهارها بالحذاء، مما أكسبني العزم على حلّ الأزمات بدلًا من الإحباط عندما يواجهني أي عائق الآن، ولو كُنت التزمت بهذه العقلية منذُ البداية لكُنت متقدمة بخطوات أبعد بكثير الآن، لكنني مُمتنة لتجربتي بكل ما فيها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *